الأحد، 5 يونيو 2011

مَنْ سميرَة ؟

 السّلام ،  
منْ سميرة ؟

   تعتبر كل البنات بناتها ، تنصح الكل من قلبها .. تخاف عليهن كثيرًا و تحبهنّ كثيرًا  تريد لبنات المدينة ان يكن شامة بين الناس ،
قابلتها مؤخرا و اخبرتنا انها تود مقاطعة الأعراس لتألمها الشديد من مشاهدتها لكثير من الفتيات بالفساتين القصيرة ،
 كانت تبكي متأثرة و دموعها تنطق عنها أن يا بنات المدينة تميزن عن غيركن ّ !  
تنصح من قلبها باجمل العبارات ، قلبها رقيقٌ جدًا و دمعتها كذلك ..  
تغارُ كثيرًا على الاسلام و على بناتها .. بنات الندوة !

  الندوة العالمية للشباب الاسلامي
 اذكرها جيدًا و انا صغيرة جدًا ، كانت و لم تزل من اقرب صديقات الوالدة . تخبرني امي انها دائما تناديها ب " أخية " . لما كنت و اخوتي صغارًا الحقتنا امي بركب الندوة العالمية للشباب الاسلامي . كانت البداية في صيف عام ٩٦ و كنت قد انتهيت للتو من الصف الثالث الابتدائي . كان المقر الاول في شارع الحزام قريباً من بيتنا . وكانت هي  اول من علمتنا صنع الورود بالمناديل الورقية و عددا كثيرًا من الاعمال الفنية . من وقتها ارتبط عندي اسم " خالة سميرة " بالندوة و احببتها كثيرًا لوجود نقطة اتفاقٍ أولى " العمل الفني " . 

كبرنا اخواتي و انا اكثر ، ولا زال ارتباطنا بالندوة قائماً . كنت في المرحلة المتوسطة في المقر الجديد للندوة و كنا نذهب اليه اسبوعياً يوم الاربعاء . اتذكر جيدًا محاضرة اعطتنا اياها ابتدأتها بطبق شوكولاتة يمرر علينا . كان الطبق يحوي حلوى شوكولاتة مغلفة و اخرى مكشوفة . بعد ان اخترنا و وجدتْ غالبيتنا أخذن الحلوى المغلفة سألتنا عن السبب ثم كان مدخلها لموضوع اللقاء . كان عنّا نحن الفتيات كيف أن الفتاة فينا ان كانت مصونة ، محافظة لنفسها حفظت نفسها و رغب فيها الرجل لتكون له سكن ، و ان تبرجت و اظهرت للجميع مفاتنها ظلت كما هي مكشوفة غير مرغوبة من أحد. وقتها ، احببتها أكثر لحداثة أسلوبها و تشويقها لنا كي توصل الفكرة .  

رغم انها سلمت ادارة الندوة لمربية فاضلة من بعدها ، الا انها لم تزل ملازمة للندوة في كل شيء . و كأن بينها و بين الندوة قوة جذب ، فرغم انشغالها الكبير بعيادتها التي انشأتها مؤخرًا و وظيفتها في جامعة طيبة لم تترك عملها التطوعي في الندوة. كنت اراها بين الفينة و الاخرى تعطي لقاءات في نشاطات الندوة  ، و تحضر انجازاتنا نحن .. " بنات الندوة " .    

أول ما تدبرت حديث الرواحل كان معها ، رغم اني سمعته كثيرًا من قبل لكني لم أكن استوعبه جيدًا . كنا في المخيم الأول الذي تقيمه الندوة و جاء حظنا و رفيقاتي أن كانت هي مشرفتنا. أخبرتنا بالحديث " الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة " حاضّة ايانا أن نكون رواحلاً . لعلها هي الراحلة من كل المائة اللاتي سيتعاقبن على ادارة الندوة ، من يدري ؟


   د.سميرة و نادي القراءة
 فرحتْ كثيرًا بالمنحنى الجديد الذي بدأت تسلكه الندوة و تركيزها على الارتقاء بالفتيات من مختلف النواحي. لما اكرمني الله بفكرة انشاء نادي للقراءة يتبع نشاطات الندوة ، كانت من ضمن من دعيناهم لحفل الذكرى السنوية الاولى و ذلك في ربيع الاول من عام ١٤٣١ه الموافق ٨ من مارس ٢٠١٠ . اتذكر ملامح الفخر على وجهها و انا القي كلمتي ثم لما سلمت راية ادارة نادي القراءة للرائعات " اسراء اسكوبي " ، و " شروق مباركي " و " افنان قاضي " كانت كمن ايدت اختياري فقالت ، " برنامج جميل و فقرة خليفتك - تقصد اسراء- جدًا رائعة "  فحمدت الله لانها شهدت ارواحا جديدة غير التي الفتها قد انضمت مؤخرًا لركب الندوة.


    د. سميرة و حبها غير المشروط
 عل القارئ لسيرة خالتنا الفاضلة رحمها الله يظن ، كالكثير غيرها ، و بسبب خلفيتها الدينية انها منحازة للاطراف التي تشابهها . أذكر و أنا في رحلة عطائي في المرحلة الجامعية في الندوة قابلت ممن هم في جيلها من أرباب ذلك الصرح . كانوا - وباجتهاد منهم - ينكمشون في تعاملهم مع المخالفين لآرائهم ، أما هي فكانت من أوسعهم صدرًا و أجملهم عقلاً و خلقاً و حديثاً .  لطالما رأيت فتياتاً من خارج نطاق المكان الذي تعشقه " الندوة" يسلمن عليها و هي تعانقهنّ بدورها. لمّا أكرم الله جامعة طيبة بها ، كانت تحتضن كل الطالبات على اختلاف زلاتهم و كثرة أخطائهم . تحبّ الفتيات بشكل غير متصور و اذا ما رأت أخطارًا تهدد سلامة اي من بناتها ، تركت اشغالها الكثيرة لتنبيههم و توجيههم. لعلها أول طبيبة تمر على جامعة طيبة تضع مصلحة البنات و سلامتهم على مصلحتها . متأكدة أنا أنها برّت بأكثر من القسم العظيم الذي أقسمته يوماً ما. فذات يوم قامت بعمل محاضرة كبرى في مسرح الجامعة لتعرّف طالبات الجامعة بمبادئ سلامتهم و ترشدهم لطريق الحق الذي ضل عنه كثيرون . كانت تنصح ، وتربط كعادتها علمها بإيمانها فليس بمستغرب ابدًا انها دخلت لكل القلوب التي قابلتها.
 دعوني اقول لكم سرًا ، أغلبنا لا يُعانق في سلامه العادي إلا أناساً مقربين و في ظروفٍ معينةٍ أحياناً ، أما هي فكان الحبّ سلامها تعانق الجميع بصدق بحيث يتلاشى استغرابك في المرة الأولى لاحساسك بصدقها. 


الرحيل
 فجر أمس السبت الموافق ٢ رجب ١٤٣٢ ، ٤ يونيو ٢٠١١ رحلت الداعية و المربية و الطبيبة ، مخلفة وراءها عددًا من المشاريع و الافكار طرحتها لعقول توسمت فيها الخير و لم تجد النور بعد .
 افكارها لم تمتْ ، سيرتها لن تموتْ لأن شخصاً مثلها يصعبُ على من رآها و عاشرها نسيانه .  
صحيحٌ أني  استأذنت من " ولاء" أختي لما قالت لي الخبر أن أنهي المكالمة لأستوعب . ذكرتُ ربي ، أمسكتُ برأسي و لساني لم ينفكّ عن " حسبي الله و نعم الوكيلْ " ، لكني في الوقت ذاته أيقنت أن ربي يقبض أرواح أصفيائه رحمةً بهم أو اشتياقاً لهم ، فابتسمت و غبطتها على كرم الله لها .  
ألا فلتهنئي برضوان الله و نعيمه يا خالتي ، بروحٍ و ريحان و رب عنك راضٍ غير غضبان
 سلامُ ربي و بركاته و رضاه عليك يا سميرة ...

   تنويه :  عقلي مزدحمٌ بالاحداث و المشاهد التي مرت بي معها . ما كتب بالأعلى شيء يسير ألحت علي ذاكرتي كتابته   لتخف وطأة التكدس . أما سيرتها فتحتاج افراد كتابٍ خاص بها ممن يعرفها أكثر مني كي يعلم العالم أجمع من هي سميرة !

فاطمة بنت جمال الحارثي
الظهران - الأحد : ٣ رجب ١٤٣٢ ، ٥ يونيو ٢٠١١  

هناك 6 تعليقات:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,
    شكرا فاطمة ,,الشعور بالامتنان لارواح طاهرة نقية مرت بحياتنا وتركت عميق الاثر وتسجيل ذلك الامتنان كشهادة لهم بما قدموا وعملوا عمل راقي ومميز ,,لقد جاد قلمك ببعض الكثير من المواقف والعبر التي توافق مافي قلوب الكثيرين الذين كانوا حولها ومعها خلال رحلة عمرها ,,رحمها الله واسكنها فسيح جناته..
    aziza hafiz

    ردحذف
  2. رائعة كعادتك يافاطمة:)
    أدمعتِ العين،، وأحزنتِ القلب ،،
    كم و كم و كم سنذكر من محاسنها؟! فكلها محاسن فوالله لم نرَ منها إلا خيراً
    ونشهدك يارب في حبّنا لها فيك ..
    رحمك الله ياحبيبة،، وعزاؤنا للأمة في فقدك..

    سلمت يمناك يا أم حسن:)

    ردحذف
  3. أم دانية ( رواء صادق)

    ردحذف
  4. صحيح غيرتها على بناتها وحبها للعطاء كانا أبرز مايميزها،، لقد تركت بصمتها في القلوب قبل أن ترحل،، رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها الفردوس الأعلى
    بيان الشريف

    ردحذف
  5. رائع ماكتبت يارائعه
    مشاعرك جميلة وحقيقية يافاطمة لقد حركت في قلبي ساكن وتجمع الدمع من جديد في عيني التي مافتئت تبكيها حرقة لفراقها والله
    فالحبيبة د.سميرة تستحق الكثير
    وان مايثلج الصدر مانسمع ونرى من بشارات الخير منذ موتها غفر الله لها واسكن روحها الطيبة عليين وجمعنا بها يااااالله يااارحيم
    ريم عاشور

    ردحذف
  6. أخيتي فاطمة
    أبدعتي سلمت أناملك.. وحفظك المولى ورعاك
    وأسعدك سعادة الدارين

    ألفت كتابآ عنها...بعنوانك : من سميرة؟!
    أخبرت القاريئ عن إنسانة طيبة .. تشبه السماء ..
    معطاء ..
    أختصر الحياة .. كل الحياة في إبتسامتها..
    ربما لم تكن تعلم رحمها الله أي البشر هي
    حتى أنا صار من الصعب علي أن أخبر القاريئ عنها أكثر
    كيف أصف الناس جميعآ؟..
    بل كيف لإنسانة أن تكون كل الآخرين دون أن تعلم؟!
    كانت المعلمة والمربية والمرشدة والطبيبة والداعية والأخت والأم والصديقة...
    فقلة أولئك الذين نلتقيهم في هذا الزمان ..
    فيولدون في داخلنا الإحساس المتضخم بإحترامهم ..
    فنحترمهم ونقدرهم بلا حدود ..
    وكانت سميرة واحدة من تلك القلة المتبقية ..
    رحمها الله تعالى وغفرلها وربط على قلوب ذويها ومحبيها
    وجمعنا بها في الفردوس الأعلى..

    داعية الجيل

    ردحذف